Sunday, September 13, 2009

المواقع الصحفية العراقية على شبكة الأنترنت *

أحمد الصالح مع شيوع إستخدام شبكة الإنترنت عبر قارات العالم وعلى نطاق شعبي في أواسط التسعينات من القرن الماضي ، كان الإعلاميون و الصحفيون العراقيون الذين يعيشون في المنافي آنذاك سباقون لإقتحام هذا العالم الواسع الرحيب للتعبير عن قضاياهم و همومهم ، خاصة تلك التي تتعلق بمسألة الحكم و العدالة و الحرية و النشاط الثقافي و الفني في بلادهم التي كانت تحت حكم إستبدادي مطلق . أما زملاؤهم في الداخل فكانوا يتحرقون شوقاً لإستخدام هذه التقنية بشكل حر وكفوء حيث حُرم عليهم ذلك بفعل الإجراءات القسرية التي كان يعمد اليها النظام مع حملة الأقلام الحرة . و ما أن أُطيح بنظام صدام حتى سارع الأعلاميون العراقيون الى تأسيس مواقعهم الإلكترونية ، يشاركهم في هذه الفورة السياسيون القدامى و الجدد ، و كل من يرى في الإنترنت فرصة للشهرة و الإنتشار و الكسب ، خاصة و أن العراق الجديد تبنى الديمقراطية كمنهج لتداول الحكم ، و للإعلام كما هو معروف ، دوراً مهماً و حاسماً في تعزيز فرص الناشطين سياسياً في هذا المنهج . إستنتاجات و بعد التعرف على تاريخ الصحافة العراقية منذ التأسيس و ما تلاها من حقب ، مع التركيز على النشاط الصحفي على شبكة الإنترنت خاصة بعد الإطاحة بنظام صدام و على مساحة خمس سنوات ، يمكن الخروج بالإستنتاجات التالية : 1- يعكس النشاط الصحفي والإعلامي عموماً ، حجم و نوع الحراك السياسي في أي مجتمع ، و يمكن إعتماده كمعيار لكشف إتجاهات الصراع و بيان حجم الكتل والتيارات الفاعلة في المشهد السياسي للمجتمع ، و كذا الحال في العراق ، فلطالما كانت الصحافة في هذه البلاد، وعبر تاريخها الطويل و المتفرد بين بلدان الشرق الأوسط ، تعبر تعبيراً صادقاً و دقيقاً عن مجمل العملية السياسية الجارية فيه خاصة بعد أن إنفتحت أجواء العمل الحر أمام الصحافة وعلى أوسع أبوابها بعد التاسع من نيسان 2003. 2- الأعداد المتزايدة للمواقع الصحفية الإلكترونية على الشبكة و إتجاهاتها و ميولها المختلفة و المتعارضة أحيانا ، قد تعبر عن حجم التشتت السياسي و الديني و المذهبي و القومي الذي يعيشه العراق في ظل ظروف الفوضى التي شهدتها البلاد بعد الإطاحة بنظام الحكم المركزي الذي كان قائما في عهد صدام حسين . لكن هذا الإختلاف والتباين يعبر من جانب آخر عن التعدد الواسع النطاق في أصل مكونات الشعب العراقي و تنوع ثقافاته و التي كانت على مر التاريخ مصدر غنى لثقافة الشعب عموما بدلا ًمن أن تكون مصدر تفتت أو إحتراب خاصة عندما تتيسر ظروف إستقرارالأوضاع السياسية و قيام دولة قوية في البلاد . على هذا الأساس يمكن أن تكون ( المواقع الصحفية الإلكترونية ) مؤشرا ممتازا للحراك السياسي و الإجتماعي و الثقافي في البلاد في هذه المرحلة . 3- يلاحظ أيضا تزايد المواقع الإلكترونية الصحفية الحزبية ، ولهذا عدة دلالات منها : - نشطت أحزاب و حركات المعارضة لنظام صدام منذ وقت مبكر على شبكة الإنترت و إستخدمتها على نطاق واسع للترويج الى خطابها السياسي لرخص تكاليف هذه الوسيلة الإعلامية و لسعتها المتزايدة بإضطراد و لإمكانية الوصول الى الجمهور المستهدف من العراقيين خاصة في خارج العراق بسهولة و يسر رغم إنتشارهم الواسع في مختلف بلدان العالم . - تمتعت أحزاب و حركات المعارضة لنظام صدام بوجود أعداد كبيرة من المثقفين و الإختصاصيين و الإعلاميين الذي غادروا العراق هرباً من الإجراءات القمعية للنظام السابق فعمدوا الى تكريس جهودم في مقارعته بالوسائل الإعلامية المتيسرة و خاصة شبكة الإنترنت لمزايها الأيجابية الكثيرة و لعل أبرزها أنها سهلة التمكن والأستخدام من قبل حتى الناشطين الأفراد . - الدعم المادي الدولي الذي حظيت به بعض فصائل المعارضة للنظام السابق و خاصة من قبل الولايات المتحدة و دول أخرى . - أما بعد الإطاحة بنظام صدام فقد تيسرت لجميع الناشطين العراقيين فرصة إستخدام شبكة الإنترنت لأغراض متعددة و لعل أبرزها النشاط الإعلامي والصحفي ، بما يعبر عن سعة الحراك السياسي و الإجتماعي و حجم الخزين الثقافي في العراق. 4- يلاحظ أن هناك زيادة واضحة في عدد المواقع الصحفية الكردية نسبة الى مواقع القوميات الأخرى المكونة للمجتمع العراقي ، و قد يعود سبب ذلك الى عدة عوامل : - إن منطقة كردستان العراق شهدت إستقراراً سياسياً مبكراً و متنامي بإضطراد نسبة الى مناطق العراق فقد تمكنت أحزابها السياسية من مسك زمام الأمور فيها بعد إنتفاضة العام 1991 بعد أن تخلى الحكم المركزي في بغداد عنها بفعل الضغوط الدولية وعدم سيطرته على المنطقة و تغير الظروف السياسية في غير صالحه . - الشعور القومي الكردي الطاغي على الحركة السياسية وعموم النشاط الإجتماعي لسكان المنطقة على خلفية عقود من الإضطهاد و الحروب التي تعرض لها الشعب الكردي من الحكومات المركزية المتعاقبة. - تعرف سكان المنطقة على شبكة الإنترنت في وقت مبكر نسبة الى بقية سكان العراق الذين كان يُمنع عليهم إستخدام شبكة الإنترنت إلا بشكل محدود جداً و تحت رقابة مشددة . - تتلقى عموم النشاطات الإعلامية و الإجتماعية و السياسية في المنطقة الكردية دعماً متزايداً من قبل جهات متعددة و على المستوى العالمي نصرة للقضية الكردية و بفعل المجهود الناجح الذي بذلته التنظيمات الكردية عبر أقطار العالم و لعقود من السنين. 5 - من جانب آخر يلاحظ زيادة في عدد المواقع السياسية الإسلامية الشيعية نسبة الى غيرها ، وهذا يعود الى : - إدراك أبناء الطائفة الشيعية و لو في وقت متأخر أهمية النشاط الإعلامي في الترويج الى قضيتهم و للتعبير عن طموحاتهم و مصالحهم . - مساحة الحرية الواسعة التي تمتع بها عموم الشعب العراقي بعد الإطاحة بنظام صدام و خاصة أبناء الطائفة الشيعية الذين تيسرت لهم لأول مرة فرصة المشاركة بالحكم على نطاق واسع و بشكل مركزي في العهد الجديد ، فجائت هذه المواقع كغيرها من وسائل الإعلام المتيسرة للتعريف بنشاطهم السياسي و الإجتماعي والثقافي . - حصول الأحزاب و الحركات السياسية الشيعية على دعم غير محدود من الطائفة الشيعية عبر أقطار العالم المختلفة ، وإن كان بعضه يأتي بشكل غير مباشر، عبر دعم المرجعيات الدينية الشيعية مثلاً أو عبر التبرعات التي تحظى بها المراقد المقدسة المتعددة " لآل البيت " في العراق. - إدراك قطاعات واسعة من أبناء الشيعة في العراق أهمية النشاط الإعلامي للترويج لقضاياهم و للتعبير عن نظرتهم في مختلف القضايا التي تعنيهم و تعني بلادهم . 6- إن الصراع السياسي و طموحات الأحزاب والحركات والناشطين السياسيين هو الطاغي على المواقع الصحفية الإلكترونية أكثر من غيره وان كان يلبس لبوساً طائفياً أو قومياً في أحيان أخرى . 7- قد تعبر بعض المواقع الصحفية عن ترويج طائفي و إتهامات متبادلة بين أطراف النزاع ، بيد أنه من الواضح ان النزاع الطائفي غير متأصل في طبيعة العراقيين بقدر ما هو حث أجنبي و نفوذ مدفوع من قبل دول الجوار تبعاً لأجندتها الوطنية و الأقليمية المختلفة والمتباينة ، فعلى سبيل المثال ، ما زال الصراع " الأيراني \ السعودي- العربي " يترك بصماته الواضحة على الأرض العراقية ليعبر عنه في وسائل الإعلام على أنه صراعا بين مكونات الشعب العراقي و ليس في هذا التعليل الكثير من الحقيقة . 8- لم تشر معظم المواقع الصحفية الإلكترونية العراقية الى تاريخ تأسيسها و ظهورها على الشبكة ليتسنى متابعة مواقفها من مجريات الأحداث و القضايا رجوعاً الى الماضي و بشكل متسلسل. 9- تبقى مصادر تمويل المواقع الإلكترونية مجهولة أو خفية و يحرص القائمون عليها على التمويه على هذه المسألة مما يثير الكثير من الشك و يعيق المصداقية في الخطاب الإعلامي و السياسي لهذه المواقع والأجندة التي تسعى الى تحقيقها . 10 – هناك الكثير من الإرتجال في تأسيس بعض المواقع الإلكترونية الصحفية ، وقد يعود ذلك الى تحاشي دخول مؤسسات و شركات و منظمات أو وكالات محلية جادة هذا الميدان .. فقد يتم إنشاء المواقع الألكترونية بناء على رغبة شخصية و مزاج فردي لا يلبث أن ينطفئ مع مرور الزمن أو عدم الجدوى ، و هوأيضا مغامرات غير محسوبة و غير مهيء لها مهنياً بشكل جيد ... بالإضافة الى ضعف التمويل لهذا الأستثمار ، لحداثة عهد العراقيين بالصحافة الحرة ، و تخوف الرأسمال المحلي من إقتحام هذا الميدان لعدم خبرته به. 11- ما زال الصحفيون العراقيون يعانون من التهديد لحياتهم و مصادر رزقهم. فإذا كان النظام السابق هو مصدر التهديد لهم مما دفع العشرات منهم للهجرة خارج البلاد فان الوضع الأمني المرتبك وعبث الميليشيات و العصابات والأرهابيين و الأحزاب المتطرفة و المتعصبة هي مصدر التهديد الجديد لهم ، فضلاً عن ضعف أجهزة الدولة الأمنية غير القادرة على توفير الحماية للصحفيين و للمواطنين عموماً . 12- معظم المواقع الإكترونية الصحفية العراقية لم تستخدم التقنيات الحديثة في الإخراج الفني و العرض المشوق للمادة الصحفية ، و قد يعود ذلك الى ضعف التمويل المُستثمَر في إنشاء المواقع ، و لقلة خبرة و دراية القائمين على إنشائها و أدارتها بأهمية الأخراج الفني للمواقع الصحفية ، فضلاً عن حداثة العهد بالنسبة لعراقيي الداخل بالعمل الصحفي الحر و النشر الإلكتروني على وجه الخصوص . 13- غياب الأخبار المبدعة و الأصيلة عن معظم المواقع الصحفية الإلكترونية العراقية ، و يعود ذلك الى: - إعتمادها على مواقع وكالات الأنباء والأذاعات و الفضائيات و الصحف أستسهالاً . - الوضع الأمني غير المستتب و التهديد المستمر و المتصاعد لحياة المراسلين الصحفيين العاملين في ميدان الأحداث ، مما أعاق عمل الكثير منهم و أدى بذلك الى شحة الأخبار الأصيلة و المبدعة و المنتجة في مكان الحدث . - عدم وجود تشريعات و إجراءات رسمية رادعة تمنع المواقع الإلكترونية من سرقة جهود الغير في النشر الصحفي . - ضعف الإمكانات و القدرات لبعض القائمين على إدارة المواقع الإلكترونية ، و إبتعاد البعض عنهم عن شروط العمل الصحفي و أخلاقيات المهنة . 14- إقتحمت شبكة الإنترنت " الخشية و التوجس " التاريخي للشخصية العراقية و المحرمات التي كان إختراقها الى وقت قريب مؤداه الإعدام في كثير من الأحيان تحت سلطة النظام الدكتاتوري السابق . فجأة وجد العراقي نفسه أمام العالم الواسع الملون الرحيب عبر نافذة الإنترنت ليطل من خلالها وقت ما يشاء و في أي مكان يشاء حتى لوكان مستلقياً على فراش النوم . إن تزايد سعة الإستخدام لشبكة الإنترنت في العراق مع مرور الوقت أتاح للعراقيين فرصة ممتازة لمتابعة الأحداث و القضايا التي تحظى بإهتمامهم ، والتعرف على وجهات النظر المتباينة ، مما سوف ييسر رؤية ناضجة للأشياء ستكون هي الفيصل في إختياراتهم السياسية والحياتية في المستقبل ، خاصة وهم يعيشون حياة ديمقراطية نامية . و لم يكن الإستخدام الحر لشبكة الإنترنت يحمل طابعا إيجابيا فقط ، إنما كانت له تأثيرات سلبية لابد منها في ظل أوضاع سياسية و أمنية قلقة ، خاصة بعد إستخدام الإرهابيين و المتطرفين الواسع و الفعال للشبكة في الترويج و التثقيف لأفكارهم الشاذة و نشر عملياتهم و بياناتهم الأرهابية و ثقافة الكراهية و التطرف التي تبنوها، فكانت الشبكة عبر وسائطها المتعددة مرتعاً مفضلاً لهذه المنظمات ، تبعا لخاصية الهروب و التخفي عن أنظار العدالة، تلك الميزة التي تيسرها الشبكة للمستفيدين من هذه التقنية . 15- يسرت شبكة الإنترنت فرص كبيرة لهواة الكتابة و غيرالمحترفين من الصحفيين لنشر نتاجاتهم الصحفية في المواقع الإلكترونية المنتشرة بأعداد لا تحصى ، كما أن قسم منهم فضل إقامة موقعه الشخصي لعرض آراءه و نتاجاته الأدبية الخاصة . أخيرا يسّر ( البلوغ \ المدونة) فرصة ممتازة للناشطين في ميدان الكتابة الصحفية ، حتى كان لأحد العراقيين قصب السبق في شهرة ( البلوغ ) عالمياً من خلال روايته لمعايشاته اليومية في بغداد أبان الإطاحة بنظام صدام ، مما دعى كبريات الصحف العالمية الى التعاقد معه و نشر قصصه الصحفية . أصبح ( البلوغ \ المدونة ) اليوم ممارسة شهيرة لدى العراقيين لنشر قصصهم الصحفية و باللغتين العربية والإنكليزية مما جعل القراء يهتمون بهذه القصص على نطاق عالمي . 16- يسّرت المواقع الإلكترونية التفاعلية و مع تحسن إستخدامات شبكة الإنترنت مع مرور الزمن فرصاً كبيرة للعراقيين للتواصل و التحاور في شتى المواضيع مما سيتم حصاده في المستقبل وعيا ًو إدراكاً لأهمية الحياة الديمقراطية و تبادل الرأي في حياتهم الجديدة و نبذ العنف و القسر الذي إعتادوا عليه عقود من الزمن تحت حكم الدكتاتورية . 17- منذ اليوم الأول لإسقاط النظام السابق ، ظهرت على الساحة الإعلامية في العراق ثلاثة أنواع من الصحف يمكن تصنيفها حسب جههات إصدارها ، وهي: صحف السلطة الجديدة ، و صحف الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني ، و الصحف المستقلة . تبنت صحف السلطة في البداية الخطاب السياسي للولايات المتحدة الراعية للعملية السياسية في العراق ، ثم مع تأسيس السلطات العراقية و تعاقب مراحل العملية السياسية الوطنية، تحول خطاب هذه الصحف ليعبر عن سياسة الدولة الجديدة و توجهاتها الديمقراطية ، و رغم الضبابية و المصاعب الكبيرة التي إعترضت عمل هذه الصحف و وسائل الإعلام من حيث كفاءة العاملين فيها أو من حيث الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها مقراتها و العاملين فيها ، أو من حيث تيسر الأمكانيات المادية ، فقد حاولت مع مرور الزمن أن تنتهج لها خطاً يسعى لأن يكون مهنياً محترفاً و بعيد الى حد مقبول، عن الصراعات السياسية و الحزبية و تبعاتها . 18- صورة الفوضى التي عاشتها البلاد طيلة الخمس سنوات السابقة منذ إسقاط نظام صدام تكشف عن جزء من الأجابة على السؤال أعلاه .. فلعل الكثير من الوسائل و الصحف التي تثير الفوضى و تشجع على إعاقة العملية السياسية الجارية في البلاد تتلقى تمويلاً من جهات داخلية أو خارجية خفية و غير شرعية ، لا يسرها إقامة العراق الجديد و لأسباب سياسية باتت معروفة . كما أن هناك من الأثرياء الذين سعوا الى إقتحام مجال الإعلام ليس لغرض الأستثمار المشروع ، إنما بقصد الوجاهة والترويج الإعلاني لأغراض سياسية و منفعية خاصة . أسهم هؤلاء للأسف في إعطاء صورة غير حسنة عن الممارسة الإعلامية في البلاد بسبب ضعف قدراتهم و عدم درايتهم بإصول العمل الإعلامي و مقاصده الشريفة . 19- تثار تساؤلات كثيرة عن شرعية التمويل الحزبي للصحف و وسائل الإعلام الناطقه بإسمائها ، كما تثار نفس التسؤلات بخصوص شرعية تمويل بعض الصحف المستقلة . ففي الوقت الذي تعاني منه جميع الصحف و وسائل الإعلام العراقية من ضعف التمويل المتأتي من الإعلانات التجارية أو مبيعات الصحف ، يبقى السؤال العالق .. أذن كيف تستطيع هذه الوسائل و الصحف من الإستمرار في الصدور و العمل في حين توقفت أخرى بسبب إنعدام مصادر التمويل ؟؟!! 20- إتجاهات التحرير الصحفي في المواقع الصحفية العراقية الإلكترونية تنوعت و تعددت ، حسب الفنون الصحفية المعروفة ، فهناك صحف الرأي، و صحف الخبر ، و الصحف التي تستقي مادتها من الإنترنت بالإعتماد على المواقع و الصحف الأخرى ، كما أن هناك مواقع و صحف تجمع كل الفنون الصحفية بما فيها الفديو كليب و الإذاعة . وهناك مواقع أهتمت بعرض وقائع الماضي و الذكريات عبر نشرها للوثائق و الشهادات عن حقبة العهد السابق و الذي قبله ، فالمتصفح ما زال مهتماً بهذا الموروث و متابعة مادته. و هناك أيضا إتجاهات أخرى للتحرير الصحفي لهذه المواقع ، فهناك صحف و مواقع هزلية ، و أخرى شبابية ، و أخرى إختصت بالفضائح السياسية و غيرها . لكن الملاحظ أن الفورة الأولى لظهور أعداد كبيرة من الصحف في البداية لم تستمر طويلا ، فمع مرور الزمن بدأت الكثير من الصحف تتوقف عن الصدور أو مواقع إلكترونية تتوقف عن التحديث. و من حيث التوجه أيضا فقد أهتمت بعض الصحف والمواقع بالمسائل المطلبية للشعب والتي ما زالت الشاغل الأكبر- بعد الأمن - للناس و للصحافة، لعدم وجود أفق قريب لحل هذه المشكلات الموروثة من النظام السابق و التي إزدادت كثيراً بفعل العمليات الإرهابية و الفساد الأداري المستشري في الدولة الجديدة . في حين راحت صحف و مواقع أخرى و هي كثيرة أيضا تهتم بجدل الهويات القومية و الطائفية و الجهوية و عرض المظلوميات على خلفية مجريات الأمور في ظل نظام صدام السابق . و بالتأكيد كان للبعض المتطر ف من وسائل الأعلام و الصحف هذه دوراً مثيراً في الصراع المسلح المؤسف بين بعض المكونات الشعبية العراقية خلال السنين الماضية . 21- كشفت الدراسة عن العدد المريع للصحفيين و الإعلاميين الذي تعرضوا للإغتيال و للعمليات الأرهابية و للإختطاف و للإصابة خلال العمل و للإعتقال ، و ما الى ذلك من مخاطر . ففي كل عام تكشف منظمات معنية بحقوق الصحفيين عن الخطرالأكبرالذي يحيق بالصحفيين العاملين في العراق بما لايوجد له مثيلا في بلدان أخرى أو في مواقع نزاع سابقة. و رغم ذلك تدل هذه الأرقام و الحوادث على أصرار الصحفي العراقي على المواصلة و الإستمرار في أداء مهماته ساعياً الى تطويرها قُدما ، و هذا يُعد مفخرة للعاملين في هذا القطاع و سيحصدون نتائجه الحسنة على المستوى العالمي في المستقبل القريب . 22- من جانب آخر أضحى الصحفيون و العاملون في حقل الأعلام عموما هدفاً سهلاً و محدداً لما يمكن تسميته بالطغيان الطائفي و العرقي المتطرف و قوى التخلف و الجهل التي وجدت لها مساحة واسعة من الحركة في ظل غياب هيبة الدولة و القانون ، فراح عشرات الصحفيين و الإعلاميين ضحية لإصرارهم على الإستمرار في عملهم ، مثلما تعرض زملاؤهم من أجيال سابقة لعنت و ظلم سلطات النظام السابق ، فإضطر عدد غير قليل للهجرة بينما تنحى بعضهم عن مهنة المتاعب و الموت السهل في حين إستمر البعض الآخر باصرار على تأدية واجبه المهني . إن مساحة الحريات المطلقة التي يسّرتها الحياة السياسية في العراق الجديد مهدت لظهور بعض الإعلاميين و الصحفيين ذوي الميول العرقية و الطائفية عملوا على تكريس مصطلحات و مسميات طغت على الخيارات الوطنية ، في حين تخلى العلمانيون و اللبراليون، وغيرهم عن الإعلان عن ميولهم السياسية أو برامجهم الوطنية خشية إتهامهم ( بالكفر والإلحاد ) و ما يتبع هذا الإتهام من عواقب وخيمة . التوصيات في ظل هذا التنافس الشديد و حجم الإستثمار المتزايد و المتنوع في حقل الإعلام على مستوى الوسيلة و التوجه و المضمون ، تصبح مسألة النجاح و التفوق أمرا لابد منه للإستمرار و فيما عدا ذلك فلا بد من التخلي عن ولوج هذا العالم الصعب و التنحي جانبا لإتاحة الفرصة الى من يجيد شروط لعبة النجاح . إن النجاح الأعلامي في عصر العولمة لا يقاس بالقيمة الثقافية و المعرفية و المنفعة الإجتماعية المضافة فقط إنما يقاس بالعائد التجاري قبل كل شيء . فأما أن تستمر في العمل و الإنجاز بتوفر التمويل الكاف أو أنك تخسر كل شيء دفعة واحدة ، و ما من أحد يتبرع لتعويض خسارتك بدون مقابل . مازالت معظم الوسائل الإعلامية تعتمد الى حد كبير على الإعلان كمصدر أساس للتمويل و التشغيل والذي يضمن للوسيلة مستوى كبير من الأستقلالية و إعتماد المعايير المهنية الصحيحة بعيداً عن نفوذ غير مرغوب به أو مضر بأخلاقيات المهنة و أصولها . و رغم الإنفتاح الواسع في العمل الإعلامي و الإعلاني في العراق بعد الإطاحة بالنظام الدكتاتوري السابق ، فإن معظم الصحف و وسائل الأعلام العراقية الأخرى ما زالت تعاني من شحة التمويل عن طريق الإعلانات ، و هذا مرتبط بعدة عوامل ، لعل أبرزها ضعف الحركة الأقتصادية في البلاد بسبب الظروف الأمنية القلقة ، و لجهل المستثمر العراقي بالقيمة الترويجية التسويقية للإعلان ، و لحداثة العراقيين بهذه الوسيلة حيث كان الإعلان التجاري ممنوعاً أو محدوداً بشروط قاسية الى وقت قريب قبل سقوط النظام السابق على خلفية فلسفة النظام في الحكم . الإعلانات الوحيدة التي يمكن إعتبارها مصدر تمويل جيد للصحف هي الإعلانات الحكومية ، التي إستحوذت على معظمها " شبكة الإعلام العراقي " التابعة للدولة و عبر وسائلها الإعلامية التلفزيونية و الإذاعية و الصحفية المتعددة ، مما دعا الصحف و وسائل الإعلام العراقية الأخرى الى الشكوى من هذا الأستحواذ و مطالبة الدولة و في أعلى مستوياتها لاتخاذ إجراءات عادلة في نشر الإعلانات الحكومية . إن انحسار الإعلان التجاري عن الصحف الورقية إنسحب أيضا على المواقع الصحفية الإلكترونية العراقية مما أفقدها مصدراً مهما للتمويل المستقل . إن ضعف التمويل المستقل لوسائل الإعلام العراقية أو إنعدامه كلياً ، حتماً يثير تساؤلا مشروعا ً عن مصادر تمويل هذه الوسائل و الصحف ، و ماهية إستحقاقاته ؟! و تبعاً لذلك يصبح من الطبيعي التساؤل عن الأخلاقية والإستقلالية و المهنية التي تعد شروط مهمة لتنمية و تطوير حقل النشاط الإعلامي العراقي بشكل مستقل ، والذي يعد العلامة الأبرز و الأهم في الحياة الديمقراطية في العراق الجديد . إن مسالة السوق الإعلامية و التنشيط الإعلامي في العراق بحاجة الى معرفة دقيقة بأساليب الترويج و التسويق الإعلامي لشعوب العالم من حيث إستخدام النهج والإسلوب المناسب لمخاطبة شعوب تؤمن بالديمقراطية و تمارسها . إن أقامة صناعة إعلامية وطنية متطورة في العراق سيمكن من تحقيق عوائد مالية كبيرة للبلاد ، حيث ستسهم بالتالي في تعزيز الديمقراطية و تنشيط العمل الإعلامي ذاته ، فضلاً عن الرخاء الذي سيتمتع به العاملين في هذا القطاع . و تاسيسا ً على ذلك كله لابد من هذه التوصيات : 1- العراق منذ عقود من السنين و هو مركز إستقطاب عالمي و محل إهتمام سكان العالم في كل مكان و كان من المفترض أن تنشط فيه حركة الإعلام المحلي و الدولي . ومن الحيف أن لا يلتفت الإعلاميون العراقيون و الجهات المعنية بالتنشيط الإعلامي ، للإستفادة من السوق الدولية النشيطة في هذا الحقل . 2- من المهم جداً سن تشريعات تتعامل مع ظاهرة التمويل الخفي و غير المنظور لوسائل الإعلام العراقية ، و تحديد مصادره ، خاصة تلك الوسائل التي تروج للإرهاب و تهدد السلم الإجتماعي ، و تدعو الى ثقافة الكراهية و التمييز بين أفراد الشعب العراقي . 3- تطوير شبكة الإنترنت و تعزيز بنيتها التحتية و التقنية ، و فسح المجال للقطاع الخاص و تحت تشريعات محددة لولوج هذا الميدان و الأستثمار الفعال في جميع أصعدته إنسجاما مع التوجه الديمقراطي للبلاد . 4- مساهمة الدولة و تشجيع القطاع الخاص عبر تشريعات معينة على الولوج و الأستثمار بفعالية في عالم البرمجيات و تقنياتها و صناعة أجهزة الكومبيوتر ، و السعي الى تيسيرها بأسعار متهاودة في الأسواق ، خاصة و أن المواد الأولية و الطاقات البشرية و الأموال متوفرة في العراق للبدء في إنشاء و تطوير هذه الصناعة . 5- إلزام نقابة الصحفيين و الجهات المعنية بالنشر و الإعلام في البلا د، بتبني تشريعات يتم بموجبها أعداد كشوف و بيانات بوسائل الأعلام المختلفة جميعها ، و التعريف بالقائمين عليها و المشرفين على أدارتها من حيث الآهلية و الإنتساب للعمل الصحفي من عدمه ، لغرض تعريف المتلقي و القارئ و حماية ذوي المهنة من المتطفلين عليها . 6- إعادة النظر بتشريعات الوسائل الإعلامية الممولة من قبل الدولة و المال العام حالياً ، خاصة فيما يتعلق بممتلكاتها و جدارة منتسبيها و كفائتهم و طبيعة توجهاتهم ، خاصة وأن ناشطي النظام السابق إستطاعوا أن ينظمّوا صفوفهم و يعودون الى الساحة الإعلامية بقوة للتبشير بعودة الدكتاتورية و النظام الشمولي مرة أخرى وفق أية تسمية كانت ... أو أي صبغة شمولية أخرى . على المشّرع العراقي أن يولي إهتماما خاصا لمتابعة المال العام المصروف على وسائل إعلام الدولة ، و تبيان مجالات صرفه و جدواه ، و بيان ذلك الى الشعب . إن إعتماد الكفاءات الإعلامية العراقية المشهود لها بالتاريخ المهني المحترف و النزاهة و الجدارة أمر لا يمكن التغاضي عنه في تعيين و إدارة وسائل الإعلام العائدة للدولة ، و لا يتأتى ذلك إلا بنبذ المحسوبية و الولاء الحزبي و إقصاء التحاصص الطائفي عن هذا القطاع ، و ما عدا ذلك فمن الأجدر بالدولة أن تتخلى عن دعم ( إعلام رسمي ) و عليها أن تتبنى مفهوم الإعلام الحر الممول من قبل القطاع الخاص ، لتدرء عن نفسها تهمة الفساد في المال العام . 7- تفعيل قانون مكافحة الترويج للإرهاب و ما يهدد السلم الأجتماعي و عدم التساهل مع أية وسيلة أعلامية و صحيفة تتبنى هذا الخطاب الخطير و أن تغلف بدعوات تبدو للظاهر دعوات سياسية مشروعة ، فعلى القضاء و الجهات المعنية بالترويج الإعلامي أن تولي هذا الأمر أهمية خاصة في ظل الظروف القلقة و الصعبة التي يعيشها العراق اليوم ، كما يجب إعتماد العدل في المراقبة و المحاسبة ، و نبذ سياسة الكيد و الكيل بمكيالين . 8- ضرورة الإهتمام بكليات و معاهد الإعلام في البلاد والبحث عن مصادر تمويل أخرى لتطويرها و تحسين أداءها التعليمي بما يتناسب مع حجم الثورة التقنية و الإعلامية الكبرى التي يعيشها العالم في عصر العولمة ، يأتي ذلك من خلال مفاتحة و تعزيز العلاقات مع وسائل الإعلام الدولية التي لها الريادة في إعانة الإعلام النامي و مساعدته على النهوض . إن تجربة وكالة رويترز بالتعاون مع مظمة اليونسكو في تأسيس وكالة ( أ صوات العراق ) ينبغي الأخذ بها و تعميمها من قبل المعنيين بوسائل الإعلام في عموم العراق . 9- لا بد من إتباع شروط مهنية- يجب أن تكون شروط غير سياسية - صارمة في منح الهوية الصحفية في نقابة الصحفيين ، كما يجب إتباع نفس الشروط المهنية الصارمة بمنح رخص العمل لوسائل الإعلام من قبل الجهات المعنية بمنح الرخص، لغرض حماية مهنة العمل الصحفي من المتطفلين و ذوي الأغراض الخاصة التي لا تنسجم مع أصول هذا النشاط . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *